الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • علامة النصر.. هل تكفي للتعمية على "تسفير" راشد الغنوشي الإرهابيين لسوريا؟

علامة النصر.. هل تكفي للتعمية على
 رامي شفيق

يلوح بعلامة النصر من سيارة فارهة لمريديه الذين ترقبوا خروجه من مكتب التحقيقات، بعثت إشارات زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي برغبته محمومة المرور من المنحدر الذي وقعت فيه الحركة، وكذا رفاقه، عبر فتح ملف اتهامهم بالتورّط في تسفير الشباب إلى الجهاد بالنقاط الساخنة في الشرق الأوسط.

سعت قيادات حركة النهضة إلى العمل على تمييع الاتهام وطلب المثول أمام جهات التحقيق من خلال العديد من التصريحات التي تركزت جميعها على أن ما جرى لا يعدو كونه محاولة من الرئيس قيس سعيد للتغطية على سوء الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وغياب بعض السلع الغذائية الضرورية من الأسواق. بيد أن الخط المنتظم منذ لحظة الإجراءات الاستثنائية في العام الماضي وحتى صياغة القانون الانتخابي بالصورة التي يرغب فيها الرئيس ويراها جديرة بخارطة الطريق التي صاغها في ذهنه للبلاد، تشي بكثير من اليقين صوب أن سعيد يتحرك وفق آلية منتظمة تعمل على إضعاف كافة العناصر الفاعلة للحركة الإسلاموية من خلال الإجراءات القانونية والدستورية ثم عزلها عن المجتمع الذي تشبع بالكلية من تغول الحركة على السلطة التنفيذية والتشريعية. واصطف بمناسيب معقولة بجانبه ضد حركة النهضة وقياداتها.

رغم احتشاد حركة النهضة في حيز المعارضة منذ تعطيل دستور 2014 وتجميد البرلمان، إلا أنّ الحركة لم تستطع طوال الخطوات التي مرت بها البلاد نحو تشكيل حكومة وإقرار دستور جديد وخروج القانون الانتخابي، وأن تبدو فاعلة في الأفق السياسي أو مؤثرة على حركة الشارع ضد الرئيس فضلاً عن خطواته. رغم الطريق الوعر الذي خبره الرئيس من تبعات الحرب الروسية في أوكرانيا وتعطل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. 

قياديو حركة النهصة الذين صرحوا غير مرة أن إثارة تلك القضية لا تهدف سوى لتشتيت الانتباه عن سوء إدارة شؤون البلاد وترهل الأوضاع المعيشية للمواطن، بيد أنهم تغافلوا بالكلية عن كافة التصريحات التي جاءت في الأعوام الماضية نحو ملف تسفير الشباب إلى مناطق النزاع التي اشتعلت في العام 2011، وخاصة في سوريا وليبيا. إذ بلغ عدد الشباب الذين انضموا إلى شبكات القتال وتنظيمات الجهاديين عدة آلاف من الشباب التونسي، بحسب تصريحات حكومية وجهات دولية.

نحو ذلك، تواجه حركة النهضة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان في تونس مصيرها المحتوم الذي يتداعى أمامها، خلال الشهور الماضية، عبر عديد الاتهامات التي تواجهها، من أبرزها الاتهام بتنفيذ عمليات الاغتيال السياسي، خاصة الشهيد شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وكذا قضايا تلقي التمويلات من الخارج ودعم شبكات المقاتلين.

فتحت سلطات التحقيق التونسية، مؤخراً، التحقيق مع عدد من أبرز قيادات الحركة الذين تقلدوا مناصب رسمية خلال السنوات التي تلت سقوط نظام زين العابدين بن علي، سيما نائب رئيس الحركة ووزير الداخلية السابق، علي العريض، وراشد الغنوشي، والقيادي بالحركة الحبيب اللوز، والنائب السابق عن الحركة محمد فريخة.

يأتي ذلك بعد أن قررت شرطة مكافحة الإرهاب إحالة العريض إلى النيابة العامة مع استجوابه في ملفات لها علاقة بفترة توليه وزارة الداخلية. وهي الفترة التي شهدت فيها البلاد تنامياً في أعداد المتطرفين وهجمات إرهابية أودت بحياة العشرات من الجنود والأمنيين. بينما تم فيها اغتيال المعارضين السياسيين، شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

كما أوقفت سلطات التحقيق رجل الأعمال، محمد فريخة، لوجود شبهة في تورّط شركة "سيفاكس أيرلاينز" التي يمتلكها في تسفير الشباب التونسيين إلى تركيا قبل وصولهم إلى العراق وسوريا للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية.

إلى ذلك، قررت الجهات القضائية تأجيل البت في القضية واستكمال التحقيقات خلال نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني ومطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول القادم.

حركة النهضة التي اعتلت سلطة البلاد خلال سنوات العقد الفائت شهدت خروج الشباب التونسي إلى ساحات القتال، ووقوف أقطاب السلفية الجهادية على منابر المساجد، يدعون فيه الشباب نحو القتال في تلك الساحات، وهم يغضون البصر عن ذلك كله، بدعوى عدم الدخول في احتراب مع القوى الحليفة ويدعم ذلك التصريحات التي جاءت على لسان الصحفية التونسية، حنان زبيس، التي شاركت في تحقيقات استقصائية عن الظاهرة، حيث قالت إن "التسفير إلى سوريا حصل خلال فترة حكم الترويكا بين أواخر عام 2011 وأوائل عام 2015. كانت هناك سياسة واضحة لتشجيع الشباب التونسي للسفر إلى مناطق النزاع، وتحديداً سوريا"، مضيفة أنه "تم تقديم تسهيلات لهؤلاء الشباب على مستوى المناطق الحدودية، وعلى مستوى التمويل وعلى مستوى تسهيل استصدار جوازات سفر. حكومة النهضة كانت على علم كامل بهذه الظاهرة، ولم تقف في وجهها".

كيف يمرر قياديو النهضة لأنفسهم أو للرأي العام في تونس زيف تلك الاتهامات، ونائب رئيس الحركة، علي العريض، كان وزيراً للداخلية الذي خبرت وزارته موجات التسفير. كما عرفت دعم الجمعيات الأهلية والدعوية للمجاهدين وأسرهم عبر التمويلات الخارجية، الأمر الذي دفع جهات التحقيق في شهر تموز/ يوليو الماضي، إلى تجميد الحسابات البنكية والأرصدة المالية للغنوشي وعدد من قيادات الحركة في تهم، من بينها غسيل أموال وتمويل الإرهاب فضلاً عما قدمه رئيس المنظمة التونسية للأمن والمواطن عصام الدردوري في شهر أيلول/ سبتمبر 2017 من تقرير لجنة التحقيق في شبكات التسفير، قال فيه إنّه تضمن وثائق "تؤكد تورّط جهات رسمية في تزوير جوازات سفر لإرهابيين لتسهيل سفرهم للقتال بسوريا".

كما أشار إلى وجود أمنيين متورطين في استخراج جوازات سفر لإرهابيين دون الوثائق القانونية اللازمة لذلك ودون تثبت، مشيراً الى أن عامي 2012 و2013 شهدا قيام رحلات منظمة إلى تركيا عبر شركة "سيفاكس" وشركة الطيران التركية والخطوط الجوية التونسية حاملة إرهابيين إلى بؤر التوتر.

ثمة دلالات زمانية لا يمكن أن تغفلها مع فتح ملف تسفير الشباب، إذ ينبغي أن يكون النصف الثاني من شهر ديسمبر/ كانون الأول، هو الموعد المحدد لانطلاق الانتخابات التشريعية بموجب القانون الانتخابي الذي صدر عقب إعلان الدستور الجديد. ويرغب الرئيس التونسي قيس سعيد في سياق ذلك إطلاق صيحة تحذير وموجة غضب ضد من يحاول العبث بنقطته التالية في إطار صياغته للجمهورية الجديدة.

لا ريب أن الرئيس يدرك جيداً عمق تورط كافة تنظيمات الإسلام السياسي في الدول العربية، خاصة في القاهرة وتونس، نحو تسهيل كافة الإجراءات والترتيبات لتسفير المقاتلين نحو ساحات القتال الساخنة، سيما ما جرى في سوريا وليبيا، وتحرك تلك التنظيمات من إعداد مؤتمرات وتنظيم موجات دعم للتنظيمات الجهادية والتكفيرية في سوريا. غير أنه يدرك أيضاً أن هذا الملف جرت أحداثه بتواطؤ إقليمي ودولي يصعب معه أن تكشف كل أوراقه وتفصح عن كافة مآلاته وحيثيات أهدافه. لكن ذلك لم يمنعه أن يضع كافة المتورطين في الداخل التونسي أمام مسؤولياتهم ويكون القانون حكماً نحو اتهامهم بالتورط في ذلك. وإلى ذلك الحين تكون انتهت الانتخابات البرلمانية تتمة خارطة الطريق السياسية التي صاغها قيس سعيد.

 

ليفانت - رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!